الطـــارق للمعرفة و التطور الطـــارق للمعرفة و التطور
recent

آخر المقالات

recent
random
جاري التحميل ...

تهمنا تعليقاتكم المفيدة

هل أنت مستعد لإفراغ فنجان عقلك؟

في زاوية هادئة من العالم، حيث يلتقي الحكمة بالصمت، وتنمو الأفكار مثل أوراق الشاي في فنجان دافئ، كانت هناك قصة لم تُنسَ. إنها ليست مجرد قصة عن شاي أو كوب مملوء، بل عن العقل المغلق، والقلب الذي لا يستعد للاستماع، وعن تلك اللحظة البسيطة التي غيرت حياة رجل بأكمله.


في إحدى قرى اليابان القديمة، عاش راهب زنٍ حكيم يُدعى نان-إن، كان معروفًا بحكمته الصامتة وبطريقته الهادئة في إيصال الحقائق الكبرى عبر الأمثلة الصغيرة. كان الناس يأتون إليه من كل حدب وصوب ليتعلموا منه طريق التأمل والهدوء الداخلي، لكنه لم يكن يعلّمهم بكلمات كثيرة، بل بفعل واحد، أو حتى بصمت طويل.


ذات يوم، جاء إلى نان-إن أستاذ جامعي أمريكي مشهور، اسمه "إدوارد"، يحمل بين جوانحه آلاف الأسئلة الفلسفية، ويريد أن يعرف سر الزن الياباني الذي سمع عنه الكثير. كان إدوارد عالمًا ذا باع طويل في الفلسفة الغربية، وقد اشتهر بكتاباته حول الوعي والعقل الباطن، لكنه رغم كل معرفته، كان يشعر بأن شيئًا ما ينقصه.

وصل إدوارد إلى منزل نان-إن، وكان الأخير منهمكًا في تحضير الشاي. استقبل الضيف بهدوء، دون كلمات كثيرة، ثم بدأ يجهز الفناجين. بينما كان يصب الماء الساخن على أوراق الشاي، بدأ إدوارد يشرح لنان-إن آراءه الفلسفية، ويطرح أسئلته المعقدة: "كيف يمكن للعقل أن يدرك الواقع؟ وهل الحكمة شيء يمكن تعلمه أم هي حالة داخلية؟".

استمر نان-إن بصب الشاي بهدوء، وكأنه لا يسمع. واصل إدوارد حديثه، وهو ينظر إلى الريح التي تعبر النافذة، ويحاول أن يربط بين طبيعة الطبيعة وحركة العقل الإنساني.

عندما أصبح الشاي جاهزًا، بدأ نان-إن بصب المشروب في فنجان الضيف، لكنه لم يتوقف عند الحافة، بل واصل الصب ببطء، بينما كان إدوارد لا يزال غارقًا في حديثه.


وسرعان ما بدأ الشاي بالانسكاب من الفنجان، ليغطي الطاولة الخشبية، وينشر رائحة الشاي في الجو، لكن إدوارد لم يلاحظ ذلك حتى سمع قطرة الشاي تنقط على الأرض.

رفع عينيه مذهولًا وقال: "لكن الكأس مملوء! كيف لم يعد يحتوي على المزيد؟!"

عندها فقط نظر إليه نان-إن بنظرته العميقة، وقال بصوت هادئ، كأنه يهمس للرياح:

"مثل هذا الكوب، أنت مليء بآرائك وتكهناتك. كيف يمكنني أن أريك طريق الزن، بدون أن تفرغ فنجانك أولًا؟"

ساد الصمت بينهما لحظة طويلة، كما لو أن الزمن نفسه توقف ليعطي الكلمات حقها من التفكير.

في تلك اللحظة، شعر إدوارد أن كل ما علمه، وكل ما درسه، قد يكون حاجزًا وليس بوابة. شعر بأنه ربما كان عليه أن يصمت، وأن يسمع، وأن يفرغ نفسه من الآراء، ليكون قادرًا على استقبال الجديد.

عاد إدوارد إلى بلاده بعد أيام، لكنه لم يعد الرجل ذاته. لم يكتب كتابًا جديدًا مباشرة، بل أمضى أشهرًا في صمت، يتأمل، ويحاول أن يفهم ما الذي يجب أن يُفرغه من نفسه قبل أن يتعلم شيئًا جديدًا.


الحكمة في القصة


هذه القصة ليست مجرد حكاية قديمة، بل مرآة لنا جميعًا. نحن البشر غالبًا نأتي إلى الحياة محمّلين بآراء، وأحكام مسبقة، وتوقعات، وتجارب سابقة، ولا نعطي لأنفسنا فرصة الإنصات الحقيقي لما هو مختلف.

كم مرة رفضنا فكرة جديدة لأنها تخالف ما نؤمن به؟  
كم مرة أغلقنا أذهاننا على وجهة نظر واحدة، ظنًا منا أننا نملك الحقيقة كاملة؟  
كم مرة تحدثنا أكثر مما استمعنا؟

العقل المفتوح هو فنجان فارغ، يسمح لك بتناول كوب شاي جديد، ولمسة حكمة جديدة، ورؤية مختلفة للعالم.
  

هل أنت مستعد لإفراغ فنجانك؟

ربما اليوم هو الوقت المناسب لتطرح السؤال على نفسك:

هل أنا مستعد لإفراغ فنجان عقلي، لأستقبل الجديد؟

هل ستظل فنجانك مليئًا بما تعرف، أم ستفرغه لتشرب من حكمة لم تسمعها بعد؟  
هل ستظل تصرخ عندما يفيض الكوب، أم ستتعلم أن الفيضان رسالة تحتاج إلى استماع؟  
هل ستعيش حياتك محملًا بما مضى، أم ستمنح نفسك فرصة التجدد؟

الحياة لا تتوقف عن إعطائك فرصًا، لكن عليك أن تكون مستعدًا لتلقيها.  
والحكمة لا تأتي إليك إلا حين تقرن الصمت بالاستعداد.

📌 ختامًا...


إذا أعجبتك هذه القصة، وإذا شعرت أنها لمست شيئًا داخلك، فلا تتردد في:

✅ الاشتراك في موقعنا لتتلقى المزيد من القصص الملهمة والحكايات المؤثرة.  
✅ كتابة تعليق تشاركنا فيه انطباعك عن القصة، وماذا يعني لك "إفراغ الفنجان".  
✅ مشاركة المقال مع أصدقائك الذين يحتاجون أيضًا إلى لحظة صمت وتأمل.

✨ شكراً لقراءتك، ونتمنى أن تكون هذه القصة بداية لرحلة جديدة نحو العقل المفتوح والروح المتواضعة.

عن الكاتب

Med Tarek KANOUN

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الطـــارق للمعرفة و التطور