الطـــارق للمعرفة و التطور الطـــارق للمعرفة و التطور
recent

آخر المقالات

recent
random
جاري التحميل ...

تهمنا تعليقاتكم المفيدة

"دماء على رقبتي": قصة حزينة من قلب السودان المُتألم

في ليلةٍ حالكة الظلام، تهادت أصوات الرصاص في سماء الخرطوم كأنها نعيٌ مدوٍ يُنادِي كل سكان المدينة. كانت السيدة "أمينة"، طبيبةٌ في مستشفى محلي، تتحدث مع ابنها خالد، الذي يعمل مهندساً في سلطنة عمان، عبر الهاتف، وكأنها تودعه بصوتٍ هادئ، لكن القتل لا يعرف الأصوات الهادئة.



قالت له:

ـ "يا بُنيّ، كيف حالك؟ هل أكلت جيداً؟"

وكان خالد يبتسم وهو يرد:

ـ "أنا بخير يا أمي، وأنتِ؟ كيف حال إخوتي؟"

فجأةً، سمع خالد صوتَ انفجارٍ قريب، وبدأ زوج والدته، الطبيب "عبد الرحمن"، يصرخ:

ـ "غطي رأسك! ابتعدوا عن النوافذ!"

وقبل أن ينهي خالد كلمته، سمع صوتَ رشقاتٍ متلاحقة، ثم صراخَ أمه:

ـ "يا الله... دماءٌ على رقبتي! دماءٌ..."

ثم انقطع الصوت.

ظل خالد يتصل مراراً وتكراراً، لكن لا أحد يجيب. وبعد ساعةٍ طويلة، جاءه اتصال من أخيه الأصغر، يقول له بهمسٍ خائف:

ـ "أمي رحلت، يا خالد... لم نستطع إنقاذها."


قصة حزنٍ لا نهاية لها

هذه ليست قصة واحدة فقط، بل هي واحدة من آلاف القصص السودانية التي تُحكى الآن في كل زاوية من زوايا الوطن المنكوب. خالد، المهندس البسيط، كان يعيش حياةً عادية بعيداً عن الحرب، لكن الحرب لم تنسَه. فقد اخترقت هاتفه لتسلب منه أحبّته.

بعد الحادثة، لم يبقَ أمام العائلة سوى الفرار. غادروا الخرطوم تحت لهيب القذائف ورصاص القناصة، حاملين ذكريات الأم، وجثمانها الذي لم يستطع أحد منهم تقبيله أو حتى رؤيته للمرة الأخيرة.

يقول خالد بحزنٍ عميق:

ـ "أشعر وكأن هناك بلاطةً ثقيلة تضغط على صدري. كيف أودّع أمي بهذه الطريقة؟ كيف أدفنها دون أن أراهَا؟ كل اتصالٍ جديد يحمل معي خوفاً من أن يكون آخر ما أسمعه هو صوتُ صراخِ أحد إخوتي أو أبي."


الخرطوم.. مدينة الدموع

الخرطوم، ذات يوم، كانت مهد الحضارات، وقلب أفريقيا النابض. أما اليوم، فهي تئن من الألم، تسقي الأرض بدماء أبنائها، وتبكي شبابها الذين لم يجدوا مكاناً للحياة إلا في المنفى.

في كل زقاق، تُحكى قصة حزن. فهناك الطفل الذي فقد والده في الشارع بعد أن أصابته شظية. وهناك الزوجة التي ظلّت تبحث عن زوجها أسابيع، قبل أن تجد جثته في مستشفىٍ مغلق.

لا أحد يعلم من المسؤول، ولا أحد يعرف إلى متى سيستمر هذا الجنون. لكن الجميع يعرف أن الضحية الوحيد هو الشعب السوداني، الذي طالما آمن بوحدته، وحلم بيومٍ أفضل، لكن ذلك اليوم يبدو بعيداً جداً.


خالد.. بين الذكريات والواقع المرير

يتذكر خالد والدته وهي تحضنه بعد يومٍ طويل من المذاكرة، تتلو عليه القرآن قبل النوم، وتشجّيه عندما يشعر بالتعب. كانت أمينة، كما يحب أن يسميها، قوةً من داخل البيت، وطمأنينةً في وجه العاصفة.



ويقول خالد:

ـ "كانت أمي تطبخ لنا الكسرة كل صباح، وتطمئننا بأن الغد سيكون أفضل. لكن ماذا حدث؟ من الذي جعل هذا البلد يتحول إلى مقبرة؟"


الصراع الدموي.. من المستفيد؟

يقول خالد بكل وضوح:

ـ "أنا لست مع أي طرف. لا أريد أن أكون ضد أحد، أنا فقط أريد بلدي. أريد أن أعود إلى الخرطوم وأمشي في شوارعها دون خوف. أريد أن أرى إخوتي يدرسون ويكبرون ويصبحون أطباء ومهندسين، وليس ضحايا حربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل."

لكن الواقع مختلف. فالخرطوم اليوم مقسومة، ليس بين طرفين فقط، بل بين مليشيات وميليشيات، ومصالح وحسابات دولية، بينما يبقى الشعب هو الثمن.


الدموع لا تكفي

في كل منزلٍ سوداني، الآن، هناك صورةٌ معلقة، ودموعٌ لا تجف، وقلوبٌ مكسورة. ومن بعيد، يتابع خالد الأخبار، ويخشى كل مرة يرن فيها الهاتف أن يكون الخبر التالي عن وفاة أبيه، أو أخيه، أو إحدى أخواته.

يقول:

ـ "أحياناً أحاول النوم، لكن الكوابيس تلاحقني. أرى أمي تصرخ، أرى الدماء، أرى النار تشتعل في المنزل. وأستيقظ مذعوراً، أبحث عن رقم هاتفها لأطمئن عليها، وأتذكر أنها رحلت."


رسالة إلى العالم

إلى العالم الذي يشاهد، وخافي التعاطف، وخان الوعود:

هل تعرفون ما تعنيه كلمة "وطن"؟ هل تعرفون كيف يشعر طفلٌ فقد والدته بسبب قذيفة عشوائية؟ هل تعلمون أن هناك عائلات بأكملها اختفت في يومٍ واحد؟

السودان ليس مجرد اسم على الخريطة، إنه شعبٌ يحب الحياة، ويطمح للسلام، لكنه الآن يدفع ثمناً باهظاً من عمره، ومن دمه.


خاتمة مؤلم

قد تكون هذه القصة واحدة من آلاف القصص، لكن لكل قصة تأثيرها، ولكل دمعة قيمتها. فلنرفع صوتنا، ولو بكتابة مثل هذه الكلمات، لنطالب بالسلام، ونبني مستقبلاً لا يعيد تدمير الأحلام.

وأخيراً، إذا كنت قد وصلت إلى هنا، فاعلم أن هناك قلباً في قلب السودان ينتظر من يسمع نداءه.


اشترك الآن، وشارك هذا المقال مع أصدقائك، واترك تعليقاً يحمل صوتاً من أجل السلام في السودان.

عن الكاتب

Med Tarek KANOUN

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الطـــارق للمعرفة و التطور